مقالة رأي

تطوير اقتصاد الرعاية يعزز فرص العمل والمساواة للمرأة العربية

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تهيب الدكتورة ربا جرادات، المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية، بالمجتمعات والحكومات الاعتراف بمساهمة العاملات في مجال الرعاية في تعزيز اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.

بيان | ٠٨ مارس, ٢٠١٨
هذا الصباح، تتجه ملايين النساء في شتى أرجاء المعمورة إلى عملهن. ونحن نعلم أن غالبية النساء في العالم يفضِّلن العمل، وأن غالبية الرجال يوافقون على عمل المرأة. ولذلك، يجب تمكين المرأة في مكان العمل، وهو أمر لا يتم دون عوائق. ويقر الجميع، نساء ورجالاً، بأن عدم وجود توازن بين العمل والمسؤوليات الأسرية وعدم توفير الرعاية – للأطفال والمعوقين والمسنين مثلاً، فضلاً عن التدبير المنزلي – تشكل عقبات رئيسية تواجه النساء العاملات.

لقد أغفلت خطط التنمية الوطنية في منطقتنا عموماً حقيقة أن اقتصاد الرعاية قطاع اقتصادي منتج. ولكن العوامل المتغيرة في المنطقة العربية تستدعي تغيير هذا الوضع. فعلى حكومات منطقتنا أن تركز على أعمال الرعاية باعتبارها مجالاً لنمو فرص العمل ووسيلة لدعم تكافؤ فرص المرأة في عالم العمل. والسبب ببساطة هو:

جميعنا يعتمد، طيلة حياته، على رعاية الآخرين. فعمال الرعاية يتولون رعاية الأطفال والشباب أثناء المراحل المهمة من نموهم، ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة كي يعيشوا بكرامة.

شاهد الفيديو: العمل اللائق في اقتصاد الرعاية في المنطقة العربية

يشير تغير العوامل الديمغرافية في المجتمعات العربية – انخفاض معدلات الولادة وزيادة متوسط العمر المتوقع – إلى ازدياد الطلب على الرعاية. كما أن الترتيبات المعيشية للأسرة آخذة بالتطور مع ازدياد نسبة الأسرة النواة.

إن نقص الرعاية ميسورة التكلفة من مؤسسات الدولة جعل مسؤولية الرعاية تقع أساساً على الأسر. ورغم ازدياد عدد النساء العربيات في سوق العمل، فإنهن يواصلن تحمل مسؤوليات الرعاية الأسرية في المنزل، أي يعملن في ما يسمى "المناوبة الثانية".

توظف الأسر الميسورة عاملات رعاية يُرِحن نساءها من تولي المناوبة الثانية. ويوجد في منطقتنا تفضيل للرعاية المنزلية التي غالباً ما تقدمها عاملات مهاجرات.

سيواصل الطلب المتزايد على خدمات الرعاية خلق عدد كبير من فرص العمل في السنوات المقبلة. ويتألف هذا القطاع من تشكيلة متنوعة من المهن عالية المهارات في مجال رعاية الأطفال، وتعليم الطفولة المبكرة، ورعاية المعوقين والرعاية طويلة الأجل، ورعاية المسنين وكذلك العمل المنزلي، ما يوفر فرصاً عديدة لتولي المرأة العربية هذه المهن. ويأتي ذلك تماشياً مع أهداف زيادة معدل مشاركتها في القوى العاملة والذي يبلغ حالياً 21.2 في المائة عالمياً.
 
وتبرهن الأدلة المستمدة من مناطق أخرى على أن وجود اقتصاد رعاية قوي يعزز مشاركة المرأة في القوى العاملة. فعلى سبيل المثال، حددت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إمكانية الحصول علي رعاية ميسورة وجيدة للأطفال ورعاية للمسنين وإجازة والدية مأجورة وفرص وظروف عمل ملائمة للأسرة كأولويات لسياساتها بغية زيادة معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة. ومنذ عام 2012، زادت معدلات عمل المرأة بنحو نقطتين مئويتين في المتوسط في جميع بلدان المنظمة.

وقد ناصرت هذا النهج أيضاً مبادرة "وومنوميكس" – أو "اقتصاد المرأة" – في اليابان والتي شهدت ارتفاعاً في معدلات مشاركة اليابانيات في العمل إلى 70.1 في المائة (بعد أن كانت 62.7 في المائة في 1997).

ويرتبط تقديم الرعاية الجيدة ارتباطاً وثيقاً مع ضمان ظروف عمل لائقة. غير أن غالبية أعمال الرعاية في هذه المنطقة ليست منظمة بقوانين العمل وتتسم بإمكانية التعرض لسوء المعاملة والاستغلال. ويرجع ذلك إلى الانتقاص من أهمية هذه الأعمال كعامل مساهم في التنمية الاقتصادية، وإلى عدم الاعتراف بالمهارات المختلفة التي تنطوي عليها، فضلاً عن النظرة السائدة بأن الرعاية من مهمة النساء، وقيام العاملات المهاجرات بها.

ولبناء قطاع يستفيد منه عمال الرعاية ومتلقو الرعاية والمجتمع ككل، على الحكومات العربية اتخاذ خطوات حاسمة تتعلق بطبيعة الرعاية وسياساتها وتوفير خدماتها، وبشروط وأحكام أعمال الرعاية.

ويجب أن يبدأ ذلك بوضع أعمال الرعاية تحت الحماية الكاملة لقانون العمل، بما يتماشى مع معايير العمل الدولية، ومنها مبادئ اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 لعام 2011 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين. وعلى الحكومات أيضاً وضع نظام شامل للتدريب وتنمية المهارات والاعتراف بها، لضمان قدرة العمال على تلبية الاحتياجات الجديدة في قطاع الرعاية.

كما يجب أن تبحث الحكومات في اتخاذ ترتيبات عمل مرنة تضمن تماشي تقديم خدمات الرعاية مع احتياجات أصحاب العمل، بما في ذلك خيار العمل بدوام جزئي، وعدم اشتراط مكوث العاملة المنزلية في منزل صاحب العمل، والسماح للعمال بتغيير صاحب العمل.
إن تسهيل الحوار الاجتماعي، عبر دعم إنشاء منظمات تمثل مصالح العمال وأصحاب العمل، يضمن تلبية السياسات والبرامج للاحتياجات والظروف المستجدة.

هذه التوصيات وغيرها ترد بالتفصيل في تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية عن تحقيق حالة تعود بالنفع المتبادل على الأسر والعمال المنزليين بتحسين القوانين وتطبيقها بفاعلية.

اقرأ التقرير: العمال المنزليون وأصحاب العمل في الدول العربية – ممارسات واعدة ونماذج مبتكرة لعلاقة عمل مثمرة

إن اتخاذ إجراءات استباقية بشأن هذه الخطوات كفيل بإنشاء اقتصاد رعاية ديناميكي وقادر على مواجهة الأزمات، يخلق فرص عمل للعمال الوطنيين في المجالين العام والخاص، ويساعد في تعزيز التوازن بين مسؤوليات المرأة في العمل والحياة وهو ما تسعى إليه جميع الأسر العاملة، ويوفر رعاية عالية الجودة، ويضمن ظروف عمل لائقة للجميع.

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نتوجه بالشكر لكافة عاملات الرعاية اللاتي يدعمن اقتصاداتنا ومجمعاتنا، وندعو حكوماتنا إلى الاعتراف رسمياً بقيمة مساهماتهن.